صفوان جولاق – كييف
لم تعد الحياة إلى طبيعتها في إقليم الدونباس شرق أوكرانيا، لكن اتفاق مينسك 2 لوقف إطلاق النار بين القوات الأوكرانية والانفصاليين الموالين لروسيا أعاد بعض الحياة إلى مساجد كثيرة أغلقت بسبب الخوف والنزوح.
آثار المواجهات طالت عددا من تلك المساجد، وكذلك طالت حياة مسلمي الدونباس من تتار "كازان"، الذين تقدر أعدادهم بنحو 70-100 ألف نسمة وفق إحصائيات غير رسمية مختلفة، فكثير منهم هاجر إلى تتارستان، أو نزح إلى مدن أوكرانية أخرى.
لكن فقر الحال دفع كثيرا منهم للبقاء ومواجهة المصير أيضا، سواء في كبريات المدن أو صغار البلدات والقرى، فوصلت أوضاعهم الإنسانية إلى "حد مأساوي"، كما تؤكد عدة مؤسسات اجتماعية وإسلامية.
قال حمزة عيسى رئيس فرع اتحاد "الرائد" في الدونباس، وهو أكبر مؤسسة تعنى بشؤون المسلمين في أوكرانيا، قال إن الحرب وإغلاق الحدود مع الدونباس أدى إلى انتشار البطالة وارتفاع أسعار السلع بنسب تجاوزت الـ400% في ظل ندرتها، ناهيك عن انقطاع الكهرباء والماء والغاز عن الكثيرين من مسلمين وغيرهم".
إغاثة عفوية
وفي ظل هذا الوضع، انطلقت في الإقليم حملة لمساعدة وإغاثة المسلمين، وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون، أو التي شهدت –وتشهد- المواجهات بين الطرفين.
اللافت في الحملة أنها بدأ بصورة عفوية، إذ قام بها مجموعة صغيرة من المسلمين لجمع المساعدات المالية والمواد الغذائية وتوفير اللحوم الحلال، ثم شارك فيها طلاب عرب درسوا وتخرجوا من جامعات ومدن الإقليم، بعد أن حصلوا على الدعم من أقاربهم أو محسنين من عدة دول، وخاصة من قطر، بحسب حمزة عيسى.
ويضيف عيسى أن الحملة أخذت طابعا رسميا ينظمها "الرائد" بعد الهدنة، فاستثمرت الهدوء للوصول إلى مناطق منكوبة، كديبالتسيف وغورلوفكا التي شهدت أشد المعارك.
عيسى تحدث عن موقف ترك في أثرا، فقال: "أكثر ما آلمني هو إقبال عجوز مسلمة على تقبيلي وتقبيل يدي والبكاء لأني أعطيتها 50 هريفنة (ربع دولار) هي كل ما كان معي في بداية الحملة، لأنها لم تحصل وزوجها على الراتب التقاعدي منذ شهور".
وفي سياق آخر، لفت رينات كوزياشوف إمام المسجد الجامع في مدينة لوهانسك إلى أن الحملة تشمل اليوم عمليات ترميم للمساجد والمصليات التي طالتها آثار المواجهات، ومساعدة أسر من قتل أو جرح بسببها.
صعوبات
لكن حملة مسلمي الدونباس لا تمر دون صعوبات تعيق وصولها إلى جميع المحتاجين، بل وكشف عن انقسام بين مسلمي الإقليم فيما بينهم.
التنقل من أبرز تلك الصعوبات، كما يقول حمزة عيسى، فهو مرتبط باستخراج تصاريح من قبل الجانبين لعبور حواجز التفتيش الكثيرة، وبعمليات انتظار تستمر ساعات طويلة.
ويتحدث الشيخ سعيد إسماعيلوف مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أمة" عن صعوبات أخرى، فيقول إن "الأولوية للجانب الإنساني والأخلاقي والديني في الحملة، ولكن عدة إدارات وجمعيات ترفض المشاركة بسبب اختلاف مواقفها السياسية إزاء ما يحدث، فمنها من يصر على اعتراف الآخرين بـ"جمهورية دونيتسك الشعبية" التي أعلنها الانفصاليون للمشاركة".
وأوضح إسماعيلوف أن هذا الانقسام يحول دون جمع التبرعات وتوحيد الجهود، مشيرا إلى أن مساعدات الحملة وصلت إلى نسبة لا تزيد عن 20% من إجمالي عدد من تبقى من المسلمين في الدونباس، أو من الذين نزحوا خارجه.
المادة كما وردت على موقع "الجزيرة نت" (هنا).