التعامل مع قضية الرسوم المسيئة في الغرب؟
السؤال:
ما هو الأسلوب الأمثل للرد على الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الغرب؟ هل نكتفي بالغضب والمظاهرات أم أن هناك ما يمكن أن نرد به؟
الجواب:
للشيخ د. عماد أبو الرُب – إمام وخطيب المركز الثقافي الإسلامي في كييف
حتى نرسم صورة واضحة منهجية للرد على مثل هذه الهجمات، أضع بين يديك النقاط التالية التي تخص من يقيم في بلاد غير المسلمين:
أولا: يعتبر المسلم نفسه مواطنا في بلده الغربي يشعر به ويخدمه ويحرص عليه، وهذا ما نسميه الاندماج الإيجابي الذي لا يعني الذوبان في المجتمعات الغربية إلى حد ترك الدين أو بعض أحكامه.
وهذا أقل ما يقدمه لبلد احتضنه وأمّنّه على روحه وماله ودينه. ولا بد له أن يثبت صدق هذا الانتماء في ظل مثل هذه الهجمات التي تسيء للإسلام والمسلمين من خلال اتزانه في ردة فعله وعقلانيته، بحيث يرد على هذه الهجمة الحاقدة ويبطلها من جهة ويلتزم بمبدأ المواطنة الذي التزم به عندما جاء لهذه البلدان.
أقول هذا بعد أن بدأنا نسمع بعض الأصوات تشكك في صدق انتماء المسلمين لأوطانهم في الغرب، وأنهم بمثابة قنبلة موقوتة سرعان ما تنفجر - على حد زعم هؤلاء المشككين في الإسلام - لذلك لا أرى من الحكمة أن ندعو في الغرب لمقاطعة البضائع الأوربية، والأنسب أن نذكر أننا أصبحنا نكره استخدام البضائع الدنمركية والنرويجية نتيجة إساءتهم لمعتقداتنا.
ثانيا: إن مثل هذه الحملات فرصة كبيرة لا بد من توظيفها خير توظيف في عرض الإسلام والدفاع عنه والمطالبة ببعض الحقوق التي يحتاجها المسلمون في مثل هذه البلاد؛ فعلى سبيل المثال يمكننا المطالبة بالاعتراف بالإسلام في الدول التي لا تعترف به، أو أن نطلب السماح ببناء مساجد وفتح مراكز إسلامية ومدارس تعليمية لأبناء المسلمين كإثبات لحسن النوايا، أو أن نطلب دعم المسلمين ومراكزهم ومؤسساتهم إذا كانوا يتعرضون لتفرقة وتمييز مقارنة مع غيرهم من المواطنين الذين ينتسبون لأديان أخرى.
ثالثا: وأرى على الصعيد الفردي القيام بالأمور التالية:
1- دراسة سيرة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام من الكتب والبرامج الخاصة بذلك كبرنامج "على خطى الحبيب" الرائع الذي يحيي حب النبي الكريم في قلوبنا، ويعرفنا بسيرته وعظمته وبركته ورحمته بنا وبالبشرية جمعاء، ولنشره للقيم والأخلاق النبيلة بين الناس ودعوتهم إليها.
2- العمل على التأسي بالحبيب عليه الصلاة والسلام وإحياء سنته والالتزام بها؛ فأنت تعلم أن الغربي لا يعرف من الإسلام الكثير، وسلوكك يقربه منه أو يبعده عنه.
3- التعريف بهذه السنن من خلال معايشة غير المسلمين، وتمثُّل أخلاق النبي الكريم.
ومن المهم أن أشير إلى أن المسلم في الغرب مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى بالالتزام بسنة النبي الكريم؛ لأن الناس اليوم ستنظر لكل مسلم بمجهر يعرِّفها على الأخلاق التي دعا لها هذا النبي من خلالنا نحن المقيمين بينهم؛ فاجعلي سلوكك - أختي الكريمة - يتمثل أخلاق نبيك وحبيبك الذي غضبت لمحاولة النيل منه والإساءة إليه، وستكون هذه هي أهم خطوة للدفاع عنه والتعريف به.
4- التجاوب مع الحملات التي يدعو لها العلماء والمشايخ والمراكز الإسلامية من إرسال الرسائل والبرقيات للمعنيين حتى يصل صوت المسلم لأصحاب القرار فيؤثر فيهم إيجابا.
رابعا: وأرى على صعيد المراكز والمؤسسات الإسلامية القيام بالأمور التالية:
1- استثمار هذا الحدث إعلاميا، وذلك بعمل مؤتمرات وندوات إعلامية ولقاءات تلفازية ومقابلات صحفية وحملة على مواقع الإنترنت؛ لتبيين موقف الإسلام منها والرد عليها. وللأسف غالبا ما يكون هناك ضعف في تبيين نظرة الإسلام للقضايا الهامة، وهذا عائد باعتقادي لسببين:
الأول: سيطرة اليهود على الإعلام ومحاولة تشويه صورة الإسلام.
والثاني: ضعف الاهتمام بعرض الإسلام إعلاميا من المراكز والمؤسسات الإسلامية في الغرب.
2- إقامة معارض دورية تعرف بالإسلام ورسوله، وعمل دعاية إعلامية لها كبيرة.
3- عمل نشرات تعرض صفات النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وأهم الأخلاق والمثل التي دعا لها.
4- مخاطبة الجهات المعنية عبر الفاكسات والبيانات والبرقيات لإيصال صوت المسلمين الرافض لمثل هذه الإساءات.
5- نشر كتب دينية تعرف بالإسلام والرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بلغة أهل البلاد المحلية.
6- الكتابة عن الإسلام ورسوله في أي صحيفة تصدر عنها الإساءة للرسول أو الإسلام، والطلب منها أن تعتذر عن هذه الإساءة، وإلا لا بد من السعي لمحاكمتها قانونيا.
7- إشراك الغيورين من علماء الغرب وصناع القرار وممثلي الكنائس ممن يشارك المسلمين محنتهم في الدفاع عن الأخلاق والقيم والخصوصيات الدينية. وهذه نقطة من الأهمية بمكان؛ لأنها عندما تخرج من غير المسلم في بلاد الغرب يكون لها وقع كبير وأثر عظيم.
8- عمل برامج ثابتة ودورية لتعريف المجتمعات الغربية بالإسلام، وتجنب التقوقع والانعزالية التي تشجع الحاقدين من نسج صورة قاتمة خاطئة عن الإسلام وأهله. وهذا يشمل المدارس الأسبوعية ومواقع الإنترنت والبث الإذاعي والمقابلات التلفازية والصحفية، إضافة لبرامج قسم الدعوة والتعريف، والتي آن لمسلمي الغرب أن يفعلوها ويدعموها ويطوروها لتصل لغير المسلمين، وترسم الصورة الحقيقية للدين الحنيف.
9- المطالبة بالاعتراف بالإسلام والسعي للحصول على أكبر قدر ممكن من الاحتياجات، والتي بتوفيرها يكون رسالة لتهدئة المسلمين، والتأكيد على صدق الاعتذار لهم من جهة، وفرصة لتلبية أهم احتياجات المسلمين التي طالما انتظروا الحصول عليها من جهة أخرى.
10- تجنب استفزاز المجتمع بأي دعوات فيها عنصرية أو طائفية أو أعمال تخالف القوانين؛ لأن المسلم غايته ووسيلته شريفة. ولكن لا بد أن يستثمر كل الوسائل السلمية والقانونية لشرح وجهة نظره وإقناع النخبة والمجتمع بكافة شرائحه بها.
وحينها سنكون قد قمنا ببعض التزامنا لرسولنا ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.
هذه بعض الأمور التي لا بد منها لمسلمي الغرب، وغيرها الكثير، نسأل الله تعالى أن يعيننا على حمل رسالة الإسلام والذود عنه إنه سميع مجيب الدعاء.
والله تعالى أعلم ...