بمناسبة يوم العلم الأوكراني، وفي إطار حرصه على التواصل مع المجتمع الأوكراني وما يخدمه، رعى ونظم اتحاد المنظمات الاجتماعية في أوكرانيا "الرائد" في يوم الجمعة الموافق 14/05/2009م أعمال طاولة مستديرة علمية بحثت استشراف مستقبل الإقليم على أساس همومه وقضاياه المعاصرة، وذلك في المركز الثقافي الإسلامي في مدينة سيمفروبل عاصمة إقليم شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا.
حضر وشارك بأعمال الطاولة ثلة من كبار المفكرين وعلماء السياسة والاقتصاد والمجتمع والدين القرميين، وحظيت الطاولة باهتمام رسمي واضح تمثل بحضور عدد من كبار الشخصيات السياسية في رئاسة الوزراء والحكومة القرمية وممثلون عن عدة وزارات، وعدد من نواب البرلمان القرمي.
وتأتي أهميتها لكونها أول اجتماع رسمي جمع بين المسؤولين وكبار المفكرين والعلماء في الإقليم، فبحث وناقش أهم وأبرز الهموم والقضايا الساخنة على الساحة القرمية متعددة الانتماءات العرقية والدينية والثقافية، وتأثيرها على صنع مستقبل الإقليم، حيث قدم المشاركون عدة بحوث في مختلف المجالات، وخاصة في المجالات السياسية والاجتماعية والدينية الثقافية.
الاستقلال والتبعية
لفتت بعض البحوث المطروحة الانتباه إلى الواقع السياسي وأبرز ما يميز هذا الواقع في الإقليم الذي يتمتع بنظام حكم فيدرالي مستقل، من حضور رسمي قوي وشبه مسيطر للنفوذ الروسي، وضعف واضح في جسد النفوذ الأوكراني، الأمر الذي يجعل من تبعية الإقليم قضية حساسة تبرد وتسخن بتغير العلاقات بين كييف وموسكو (خصوصا بعد الثورة البرتقالية، وانتقال السلطة في كييف إلى الموالين للغرب)، ودفع ولا يزال يدفع من وقت لآخر موضوع انفصال الإقليم عن الجسد الأوكراني، أو اعتباره جزءا من الجسد الروسي.
التركيبة والحقوق
ولفتت بحوث أخرى الانتباه إلى قضية التمتع بالحقوق استنادا إلى واقع التركيبة الديموغرافية في الإقليم الذي تعيش فيه نحو 121 إثنية جنسية وعرقية وثقافية مختلفة (حيث يشكل الروس فيه نحو 40%، والأوكرانيون نحو 30%، والتتار نحو 15%، و15% من جنسيات أخرى كالتركية والأذربيجانية والأوزباكستانية وغيرها)، فأكدت معظمها أن من أكبر التحديات التي يواجهها مجتمع القرم هي غياب حقوق شريحة واسعة من تركيبة مجتمع الإقليم داخله، ومن أبرز الأمثلة التي قدمتها تلك البحوث في هذا الشأن كانت قضية حرمان عشرات الألوف من التتار من الجنسية الأوكرانية بعد عودتهم من بلاد التهجير، التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، ويترتب عليها حرمانهم من العديد من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الهوية والثقافة
ولعل من أهم القضايا التي بحثتها الطاولة قضية الهوية والثقافة والدين بالنسبة لسكان الإقليم، فأكد بعض العلماء في بحوثهم على أن مجتمع الإقليم يعاني من غياب مناهج رسمية خاصة تعنى بهذه الجوانب المهمة في مدارس الإقليم وجامعاته، كغياب مواد وكتب التاريخ والدين فيها مثلا، بالإضافة إلى تشويه العديد من كتب التاريخ الموجودة للحقائق.
واعتبروا أن إيجاد حلول لهذه القضية كفيل بحل مشكلة انتشار التعصب والعنصرية التي بدأت تظهر في الفترة الأخيرة مع تنامي مطالب بعض الأقليات بحقوقها الثقافية، وخاصة بين فئة الشباب.
وفي هذا الإطار قدم فضيلة الشيخ سعيد إسماعيلوف مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أمة" بحثا استعرض من خلاله جانبا من تاريخ إقليم شبه جزيرة القرم، والحضارة الإسلامية التي عمت أرجائه، فبين أن القرم كان منارة للمعرفة والعلوم في زمان كان فيه نحو 1600 مسجد تدرس فيهم العلوم المختلفة.
السيدة أومريخينا تتيانا نائبة رئيس وزراء الإقليم حضرت الطاولة، وقالت عقب انتهاء أعمالها في حديث مع الرائد: "تتنامى في الإقليم الحاجة لعقد مثل هذه الفعاليات العلمية والثقافية يوما بعد يوم، لأننا نلمس أن المتغيرات السياسة والاجتماعية، الإقليمية منها والمحلية باتت حاضرة في المجتمع القرمي، ولا شك أنها ستؤثر تأثيرا كبيرا على مستقبله، المجتمع القرمي مثال نموذجي للتعايش الحضاري السلمي بين الأطياف المختلفة التي تسكنه، وهذا أمر يجب أن نحرص على الحفاظ عليه وعلى حصانته قبل حدوث ما يعكره".
وقال البروفيسور محي الدين خير الدينوف الباحث في علم التربية والاجتماع للرائد: "الجانب الديني والثقافي التربوي مهم جدا بالنسبة لشرائح مجتمع القرم، فعلى سبيل المثال باتت اللغة الأوكرانية بعد الثورة البرتقالية لغة رسمية تدرس في المدارس والجامعات، وذلك بعد سلسلة مطالب قدمها الأوكرانيون لحكومتي كييف والقرم، ولا تزال مطالب تتار القرم تنتظر فرجا مماثلا لتدرس لغتهم وتعاليم دينهم الإسلامي في المدارس التي يدرس فيها أبناؤهم، وخاصة في المناطق والقرى التي يعظم تواجدهم فيها".
هذا وقد انتهت أعمال الطاولة اليوم بتقديم الدكتور إسماعيل القاضي لبعض الهديايا الرمزية إلى العلماء المشاركين، وتوجيه المشاركين رسالة إلى رئاسة الوزراء والبرلمان القرمي بناء على طلبهما، تضمنت تقريرا مخلصا للبحوث التي قدمت، بهدف دراستها وأخذها ما تضمنته بعين الاعتبار.
مركز الرائد الإعلامي