قال أبو بكر الوراق البلخي “ شهر رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السقي للزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع ” .. وأول بذرة سنقوم ببذرها من بذور رجب وتكون هي أول عدتنا الإيمانية لشهر رمضان، هي التقرّب إلى الله تعالى بوظيفة العمر .. ألا وهي..التــوبـــــــة..
فجديرٌ بمن سوَّد صحيفته بالذنوب طيلة العام أن يبيضها بالتوبة فى هذا الشهر .. يقول الله تعالى:وَتوبوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيّهَا المؤمِنونَ لَعَلَّكم تفلِحونَ. النور: 31.
وعنه رحمه الله قال: مثل شهر رجب مثل الريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل القطر. وقال بعضهم: السنة مثل الشجرة، وشهر رجب أيام توريقها، وشعبان أيام تفريعها، ورمضان أيام قطفها، والمؤمنون قطافها. اهـ.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده، وغيره عن أنس -رضي الله عنه- قال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ، قَالَ: اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي رَمَضَانَ. والحديث تكلم أهل العلم في سنده.
وعلى أية حال، فإنه يمكنك أن تدعو بهذا الدعاء، وبغيره من الأدعية النافعة، وتبدأ من الآن –في رجب- بزرع الخير والعمل الصالح، وتنمّي ذلك وتزيده في شهر شعبان حتى تصل إلى منتهى الاستعداد، والتعود على عمل الخير ومضاعفته في رمضان، فتحصد في نهايته من الخير والأجر ما الله به عليم.
إن شهر رجب أحد الشهور الأربعة الحرم التي خصها الله تعالى بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفاً لها في قوله عز من قائل: ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) [التوبة:36] وقد جاء الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصوم منهن في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي بسند جيد عن رجل من باهلة "أنّهُ أتى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمّ انْطَلَقَ فَأتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيّرَتْ حَالُهُ وَهَيْئَتُهُ، فقال: يَارَسُولَ الله أمَا تَعْرِفُنِي؟ قال: وَمَنْ أنْتَ؟ قال: أنَا الْبَاهِليّ الّذي جِئْتُكَ عَامَ الأوّلِ، قال: فَمَا غَيّرَكَ وَقَدُ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟ قُلْتُ مَا أكَلْتُ طَعَاماً مُنْذُ فَارَقْتُكَ إلاّ بِلَيْلٍ، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِمَ عَذّبْتَ نَفْسَكَ، ثُمّ قال: صُمْ شَهْرَ الصّبْرِ وَيَوْماً مِنْ كُلّ شَهْرٍ، قال: زِدْني فإنّ بِي قُوّةً، قال: صُمْ يَوْمَيْنِ، قال: زِدْنِي، قال: صُمْ ثَلاَثَةَ أيّامٍ، قال: زِدْنِي، قال: صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرْمِ وَاتْرُكْ، وَقال بِأصَابِعِهِ الثّلاَثَةِ فَضَمّهَا ثُمّ أرْسَلَهَا".
هذا هو كل ما ورد في شهر رجب مما يصلح للاحتجاج، أما تخصيصه بصيام يوم منه معين أو قيام بعض لياليه أو تخصيص ليلة السابع والعشرين منه باحتفال يسمى الاحتفال بمناسبة الإسراء والمعراج فهذه كلها أمور محدثة، لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم.
فالحق أن رجب ليست له خصوصية ولا فضيلة على غيره من الشهور إلا أنه من الأشهر الحرم كما تقدم. وكون آية الإسراء والمعراج حصلت فيه على افتراض صحة ذلك لا يسوغ لنا إحداث عبادة فيه لم تكن معهودة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في زمن خلفائه الراشدين ولا التابعين من بعدهم -القرون المشهود لهم بالخير- أما شعبان فينبغي الإكثار فيه من الصيام اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان. رواه البخاري ومسلم.
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة أما تخصيص يوم النصف منه بالصوم ظناً أن له فضيلة على غيره فهو أمر لم يقم عليه دليل صحيح. والله تعالى أعلم.