إنَّ الحديث عن التغيير أصبح كثيرًا وفي أحيان كثيرة مملاً للأسف, ذلك أن كثيرًا من الناس عندما يستمعون إلى محاضرات أو دورات حول التغيير يحاولون أن يخطوا خطوات باتجاه التغيير، ويبدءون أول الطريق، لكنهم سرعان ما يتعثرون وينكصون على أعقابهم ... وأسباب هذا النكوص كثيرة، ليس هذا مجال بسطها هنا، لكني أريد أن أتحدث عن:
الأسباب التي تجعلنا نتحفز للتغيير بدءًا من شهر رمضان المبارك:
في شهر رمضان يلتزم المسلم بتغيير بعض عاداته كالأكل مثلاً.. وتتغير عادة نومه!! كما أن كثيرًا من المسلمين يلزم نفسه بأمور (إيجابية) كان بعيدًا عنها كقيام الليل.. بل ربما يطول القيام كما يحصل في العشر الاواخر. كما يعكف كثير من الناس على القرآن الكريم قراءةً وحفظًا وتدبرًا.. وتكثر الصدقات وألوان البر الأخرى..
والتغيير الإيجابي يحتاج لإلزام النفس بالجد والعمل الطويل (أحيانًا) والخروج عن المألوف والروتين اليومي الذي يعيش فيه كثير من الناس.. وها هنا فائدة أخرى أيضًا وهي أنه في رمضان يكثر العمل وتتعدد أوجه الخير؛ فما بين صيام وقراءة قرآن وصدقة وإطعام محتاج وزكاة فطر ودعاء وقيام ليل.. إلخ.
ومن أراد أن يغير حياته فليبحث بجد عن الأعمال التي تناسبه؛ لأن كثيرًا من الناس -للأسف الشديد- بلغ من العمر مبلغًا وهو لم يكتشف طاقاته! ولم يعرف المجال الذي يستطيع أن يبدع فيه! والقاعدة أن كلاًّ ميسر لما خلق له، كما قال الرسول.
- كما أن المسلم يلزم نفسه في رمضان بتغيير بعض عاداته السيئة.. فهو يجتنب كثرة الأكل، ويبتعد عن القيل والقال بلا فائدة، بل لا يرد على مسيء (فليقل إني امرؤ صائم), ويبتعد عن النظر الحرام ولا يتأخر في صلاة ولا يدخن ولا.... إلخ. والتغيير الإيجابي يحتاج إلى مجاهدة النفس، وكسر بعض ما تعودت عليه من الكسل والخمول والعادات السيئة الأخرى.
(إن من لوازم التغيير أن يغيِّر الإنسان عاداته اليومية من أكل وشرب ونوم وخلافه, والبارزون في الحياة لا تجدهم يملئون معداتهم بأنواع الطعام والشراب, بل إن كثرة الأكل وامتلاء المعدة به مثقلة للجسد عن الحركة، مشغلة للعقل عن التفكير، مشتتة للقلب؛ فالمعدة متى امتلأت لم يجد القلب مجالاً للتأمل والتفكير).
- التغيير يحتاج لمحفزات, وفي أحيان كثيرة يحتاج المرء إلى من يأخذ بيده ويتغير معه.. وفي رمضان تتوفر هذه الميزة بنجاح؛ فالكون كله يتغير في رمضان وليس المسلمون من البشر فقط؛ فأبواب الجنة تفتح في رمضان.. وأبواب النيران تغلق.. وتفتح أبواب السماء.. والنفس مقبلة على العبادة (إما راغبة أو مرغمة), بل حتى إن الله يغير الأجور ويضاعفها لعباده في رمضان، ومن أمثلة ذلك العمرة في رمضان التي تساوي حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
- في رمضان ينتظم وقت المسلم انتظامًا دقيقًا.. بل يحصل من المجاهدة الشيءُ الكبير في سبيل المحافظة على الوقت.. فالإمساك يبدأ مع أول جملة ينطقها المؤذن، ولا يمكن أن يتأخر المسلم في الأكل والشرب بعد أن يسمع الأذان الثاني، وكذلك ينتهي الإمساك مع أول تكبيرة ينطق بها المؤذن لصلاة المغرب، ويلتزم الصائمون جميعًا بل يتسابقون لينالوا خيرية التعجيل في إنهاء الصيام.
إن تنظيم أوقات الصيام للصائم لا شك أنه محفز لمن يريد أن يبدأ مسيرة التغيير.. فمن شروط التغيير المهمة الالتزام بالوقت.. فمن المهم أن تلزم نفسك في كل عمل تؤديه بوقت تبدأ فيه ووقت تنهيه.
- في رمضان يكون العمل -كما سبق ذكره- ويكون نتاج هذا العمل ظاهرًا كذلك, وهذا من أكبر المحفزات التي تعجل بتغيير الإنسان لحياته ونفسه, فما أجمل أن ترى نتاج أعمالك وقطاف ثمارك أمامك! مع ما يدخره الله للعبد من ثواب في الآخرة.
إن الصائم وضع لنفسه هدفًا بالليل أن يصوم اليوم التالي ويمسك عن الأكل والشرب وسائر المفطّرات ولغو الحديث وسيِّئ العمل، ثم يجاهد نفسه على ترك القبيح وفعل كل جميل حتى يحين وقت المغرب, وحين يفطر الصائم تصيبه إحدى الفرحتين بإتمام عمله وثبوت الأجر بإذن الله تعالى.. وتبقى الفرحة الأخرى يوم يلقى ربه..
ويتكرر هذا على مدار الشهر كله.. فلا شك أن هذا محفز كبير... والعجيب أن العمل يزيد وتكون نتائجه أكبر كلما سارت الأيام حتى تأتي ليلة القدر ثم آخر ليلة في الشهر، حيث يعتق الله من عباده مثل ما أعتق من أول الشهر إلى آخره.
- التغيير يحتاج لتكرار.. والمختصون يقولون: إن الإنسان يحتاج من 6 إلى 21 يومًا ليعتاد على سلوك جديد.. فما بالك والعادات الجديدة في رمضان نكررها من 29 إلى 30 يومًا.. فلتجعل عاداتك الجيدة التي تريد أن تسير عليها من ضمن برنامجك اليومي في رمضان (عادة القراءة - أذكار الصباح والمساء - نوافل الصلوات - الاستغفار - قراءة القرآن - زيارة الأقارب...)، كل ذلك تجعل له وقتًا في يومك الرمضاني، وستجد له وقتًا، وسترى كيف يبارك الله في الوقت.
إن العادات ما هي إلا سلوكيات تعلمناها ومارسناها حتى اعتدنا عليها وصارت كأنها جزء منا, وهي في الحقيقة منفصلة عنا.. فكما تعودنا على عادات سيئة (كثرة النوم - تأجيل الأعمال - إضاعة الأوقات...)، فلنكرر العادات الحسنة التي تريد أن تعتادها، وها هو شهر رمضان فرصة جيدة لذلك.
- مما يعين على التغيير, بل هو أقوى المعينات وأكثرها أثرًا: الدعاء, فادع الله تعالى أن يعينك على سلوك طريق التغيير والابتعاد عن العادات السيئة. ورمضان شهر الدعاء, فقد ختم الله آيات الصوم في سورة البقرة بقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن للصائم دعوة لا ترد, ودعوته عند فطره وفي آخر ليله -وهو وقت أكلة السحور- فلنجعل الدعاء بأن يغير الله حالنا للأفضل، وأن يصلح أحوالنا وقلوبنا وأعمالنا.
- وأخيرًا.. هناك محفزات ذكرها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم للصائم تحفزه لإتمام صومه، وإتقان عمله, مثل: مغفرة ما تقدم من الذنوب إن صام وقام إيمانًا واحتسابًا، واستجابة الدعاء للصائم. والحقيقة أن من أراد أن يسير في طريق التغيير فلا بد له من محفزات طوال الطريق، وهذه المحفزات قد تكون ما ينتظره عند سلوك طريق التغيير من راحة البال وتجديد النشاط, وبناء علاقات جيدة, وأجر عند الله تعالى, وشهرة أمام الآخرين... إلخ.
وعلى كلٍّ، فلذة الإنجاز وإتمام العمل لا يساويها لذة.. وقد يكون المحفز ذاتيًّا يضعه الإنسان لنفسه, فكلما قطع شوطًا في طريقه كافأ نفسه بأن يؤدي عملاً يحبه أو يأخذ قسطًا من الراحة... إلخ, وإن كان العمل من أنواع العبادات، فما أجمل أن يذكّر المسلم نفسه بالأجر الذي أعده له ربه يوم القيامة!
يقول الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي: (رمضان ما هو إلا فترة راحة وهدوء, يعبُر المؤمن من خلالها إلى مراقي الصعود في درجات الإيمان, فمن استفاد من هذه الفترة في إصلاح حاله وتجديد إيمانه ومراجعة نفسه، فقد وجد للتغيير طريقًا).
معادلة التغيير الناجح:
إن التغيير الإيجابي ينطلق من معادلة بسيطة تقول:
انظر في واقعك وقيِّمه + ضع خطة واضحة للتغيير + حاسب نفسك دائمًا
=
ستصل للتغيير الإيجابي
وأطراف هذه المعادلة سنجدها متوفرة في شهر رمضان المبارك؛ فالخطة موضوعة من الرب تبارك وتعالى وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم, بقي أن تعرف مواضع الخلل الكبرى في حياتك: أين وفي أي الجوانب أنت مقصر لتجتهد في تعديله, ثم اجعل لنفسك ساعات للمحاسبة والمناقشة.
وصية
اجعل لنفسك شعارًا في شهر رمضان لهذا العام, وليكن شعارًا معبرًا عن حقيقة التغيير الذي تريد أن تحققه، ولتذكر في الشعار "الجوانب" التي تريد أن تحافظ عليها أو المشروع الذي تريد تحقيقه
بقلم: عمر محمد رزق الله
المصدر: موقع الاسلام اليوم.