الوسطية منهج حياة
مفهوم الوسطية :
الوسطية في اللغة مشتقة من مادة(وسَط)، ولفظة (وسط) وما شابهها من مشتقات أخرى (كواسط ، وأوسط ، ووسيط ، وواسطة ، ووساطة) تطلق في اللغة على معنيين :
المعنى الأول : بديهي وعام ، يقصد به مجرد التوسط بين شيئين مطلقا ــ معنويا كان أو حسيا ــ كقولهم : فلان يقوم بدور الوسيط أو الوساطة بين خصمين.
والوسطية منزلة بين طرفين كلاهما مذموم : فالشجاعة وسط بين الجبن والتهور ، والسخاء وسط بين التبذير والتقتير .
ويرى اللغويون أن (الوسط) ــ بالسكون ــ لا يراد به إلا مجرد التوسط بين أمرين أما ( الوسط) ــ بالفتح ــ فقد يأتي صفة ، وإن كان أصله أن يكون اسما من جهة أن أوسط الشيء أفضله وخياره فيراد به شيء أهم وأسمى من مجرد التوسط . فلما كان وسط الشيء أفضله وأعدله جاز أن يقع صفة ، وذلك في مثل قوله تعالى : (وكذلك جعلناكم أمة وسطا)(1)، أي عدلا ، والمراد : بلغتم القمة في الشرف والذرى .
المعنى الثاني : هو المعنى الخاص ، حيث يراد به ــ في لغة العرب ــ الأعدل ، والأفضل ، والأحسن ، والأخير ــ بسكون الخاء ــ ومن ذلك قولهم : فلان وسط قومه ، أي : من أحسن القوم وأخير الناس ، وقولهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان من أوسط قومه نسبا وشرفا ،
أي : أنه أخير الناس وأفضلهم وأعدلهم ، وقد قال الشاعر وهو يمتدح النبي صلى الله عليه وسلم :
يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم ** وأكرم الناس أما برة وأبا
ويفهم من هذا أن أوسط الشيء أفضله وأحسنه وأخيره ، كوسط المرعى فإنه خير من طرفيها ، وكوسط الدابة للركوب فإنه خير من طرفيها لتمكن الراكب ،وواسطة القلادة هي الدرة التي في وسطها ، وهي أنفس ما فيها .
قال ابن عاشور مجليا هذا المعنى : " والوسط : اسم للمكان الواقع بين أمكنة تحيط به ، أو للشيء الواقع بين أشياء محيطة به ، ليس هو إلى بعضها أقرب منه إلى بعض عرفا ، ولما كان الوصول إليه لا يقع إلا بعد اختراق ما يحيط به ، أخذ فيه معنى الصيانة والعزة :
طبعا : كوسط الوادي لا تصل إليه الرعاة والدواب إلا بعد أكل ما في الجوانب ، فيبقى كثير العشب والكلأ .
ووضعا : كوسط المملكة يجعل محل قاعدتها ، ووسط المدينة يجعل محل قصبتها ، لأن المكان الوسط لا يصل إليه العدو بسهولة ، وكواسطة العقد لأنفس لؤلؤة فيه .
فمن أجل ذلك صار معنى النفاسة والعزة والخيار من لوازم معنى الوسط عرفا ، فأطلقوه على الخيار النفيس كناية ، قال زهير :
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم ** إذا نزلت إحدى الليالي بمعضل
ويقال أوسط القبيلة ، لصميمها .
وأما إطلاق الوسط على الصفة الواقعة عدلا بين خلقين ذميمين فيهما إفراط وتفريط ، كالشجاعة بين الجبن والتهور ، والكرم بين الشح والسرف ، والعدالة بين الرحمة والقساوة ، فذلك مجاز بتشبيه الشيء الموهوم بالشيء المحسوس ، فلذلك روي حديث : (خير الأمور أوسطها ) وسنده ضعيف(2)، وقد شاع هذان الإطلاقان حتى صارا حقيقتين عرفيتين(3).
الوسطية خصيصة الأمة الإسلامية :
قال الله تعالى مثنيا على هذه الأمة : (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ....)(4)، أي جعلناكم أعدل الناس وأخيرهم .
قال الإمام الطبري بعد أن عرض لتفسير السلف للوسط بأنهم العدول ، قال : " وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى الجزء الذي هو بين طرفين ، مثل وسط الدار .
وأرى أن الله ــ تعالى ذكره ــ إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين ، فلا هم أهل غلو فيه ن غلو النصارى الذين غلوا بالترهب ، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه ، ولا هم أهل تقصير فيه ، تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله ، وقتلوا أنبياءهم ، وكذبوا على ربهم ، وكفروا به ، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه ، فوصفهم الله بذلك ، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها.
وأما التأويل فإنه جاء بأن الوسط العدل ــ كما سبق ــ وذلك معنى الخيار ، لأن الخيار من الناس عدولهم "(5).
وقال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير الوسط : " قالوا إن الوسط هو العدل والخيار ، وذلك أن الزيادة على المطلوب في الأمر إفراط ، والنقص عنه تقصير وتفريط ، وكل من الإفراط والتفريط ميل عن الجادة القويمة ، فهو شر ومذموم ، فالخيار هو الوسط بين طرفي الأمر، أي المتوسط بينهما "(6).
ومن خلال هذا العرض يتبين لنا فهم واضح محدد لمعنى الوسطية المذكورة في صفة هذه الأمة وكونها أمة وسطا.
وهذا الفهم يتحدد في معنيين هما :
الأول : الخيرية والأفضلية.
الثاني : التوازن والعدل والقيام بالحق ، والبينية بين الإفراط والتفريط .
وكلا المعنيين داخل في الآخر، فإن الخيرية والأفضلية لم تتصف بها هذه الأمة إلا لكونها قائمة بالعدل والقسط والحق ، ولكونها وسطا بين الغالي والجافي.وكل من قام بالعدل والحق فهو الأولى بصفة الخيرية والأفضلية.
والوسطية والعدل والبينية تقتضي أن يكون هناك طرفان مذمومان يكتنفان الوسط والعدل .
أحدهما : ينزع إلى الغلو والإفراط .
والآخر : ينزع إلى التفريط والإضاعة والجفاء .
وفي هذا المعنى يقول ابن القيم : " وقال بعض السلف : ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان : إما إلى تفريط ، وإما إلى مجاوزة ، وهي الإفراط ، ولا يبالي بأيهما ظفر : زيادة أو نقصان "(7).
الوسطية هي الاعتدال في كل أمور الحياة من تصورات ومناهج ومواقف ، وهي تعريف متواصل للصواب في التوجهات والاختيارات ، فالوسطية ليست مجرد موقف بين التشدد والانحلال بل هي منهج فكري وموقف أخلاقي وسلوكي ، كما ذكر القرآن :” وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ” حيث تشير تلك الآية إلى أهمية الوسطية وتحقيق التوازن في الحياة . ومرجع الوسطية إلى الشرع فما وافق الشرع فهو الوسط فالتشدد في محله وسطية والرفق في محله وسطا كذلك *1
يقول الدكتور محمد عمارة إن ( الوسطية الجامعة ) التي تجمع بين عناصر الحق والعدل من الأقطاب المتقابلة فتكوّن موقفا جديداً مغايرا للقطبين المختلفين ولكن المغايرة ليست تامة، فالعقلانية الإسلامية تجمع بين العقل والنقل، والإيمان الإسلامي يجمع بين الإيمان بعالم الغيب والإيمان بعالم الشهادة، والوسطية الإسلامية تعني ضرورة وضوح الرؤية باعتبار ذلك خصيصة مهمة من خصائص الأمة الإسلامية والفكر الإسلامي ، بل هي منظار للرؤية وبدونه لا يمكن أن نبصر حقيقة الإسلام، وكأنها العدسة اللامعة للنظام الإسلامي والفكرية الإسلامية. والفقه الإسلامي وتطبيقاته فقه وسطي يجمع بين الشرعية الثابتة والواقع المتغير أو يجمع بين فقه الأحكام وبين فقه الواقع، ومن هنا فإن الله جعل وسطيتنا جعلاً إلهياً (جعلناكم أمة وسطاً) سورة البقرة آية143
وكما يشرح الدكتور يوسف القرضاوي مفهوم الوسطية بقوله ( الوسطية بأنها التوسط أو التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين، بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير ويطرد الطرف المقابل، ولا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه ويطغى على مقابله ويحيف عليه).
ويضيف حفظه الله : ومثال الأطراف المتقابلة أو المتضادة: الربانية والإنسانية، الروحية والمادية، الأخروية والدنيوية، الوحي والعقل، الماضوية والمستقبلية، الفردية والجماعية، الواقعية والمثالية، الثبات والتغير، وما شابهها، على أن يكون هناك توازن بينها فيُفسَح لكل طرف منها مجاله، ويُعطَى حقه بالقسط أو بالقسطاس المستقيم، بلا وَكْس ولا شطط، ولا غلو ولا تقصير، ولا طغيان ولا إخسار.
وهذا بالطبع مما يعجز عنه الإنسان بعقله المحدود وعلمه القاصر، فضلا عن تأثير ميوله ونزعاته الشخصية والأسرية والحزبية والإقليمية والعنصرية، وغلبتها عليه من حيث يشعر أو لا يشعر.
ومن هنا فإن القادر على إعطاء كل شيء في الوجود -ماديا كان أو معنويا- حقه بحساب وميزان هو الله الذي خلق كل شيء فقدَّره تقديراً، وأحاط بكل شيء خبراً، وأحصى كل شيء عدداً، ووسع كل شيء رحمة وعلماً. *3
لكن الدكتور فهمي هويدي يخشى استخدام مصطلح الوسطية كونه أصبح مصطلحاً فضفاضاً بحيث تلفع به كثيرون، ويظن أنه لم يعد كافيا أن يعلن أي فرد أو جماعة عن التزامه بالوسطية، وإنما تعين علينا أن نسأل أي وسطية؟ وما موقفها من القضايا الحيوية المثارة في المجتمع؟ ويضيف قائلا إنه إذا جاز لنا أن نعرِّف الوسطية في ضوء المعالجات المتعددة لها ، فربما قلت: إنها موقف يتسم بالتوازن في التفكير والنظر، يقبض على الأصول ويقبل الاختلاف في الفروع، وهو بذلك يميل لمصطلح التوازن الذي يعرفه ( بأنه ليس نقطة وسط بين الخير والشر أو الحق والباطل، ولكنه انحياز كلي إلى كل ما هو خير وحق مع الاعتراف بوجود الضد لكل منهما، ذلك أن هذا الاعتراف هو من دلائل الوقوف على الأرض ورؤية المجتمع الإنساني كما هو بما فيه من شر وقبح وظلم* 5
أما الدكتور عصام البشير مؤسس مركز الوسطية فإنه يسعى حثيثاً لتأكيد أهمية نشر فكر الوسطية ويشرح الدواعي التي دفعته لتأسيس المركز بقوله : ( بدأ التطرف و الغلو، في العصر الحديث يأخذ أبعاداً مختلفة. فقد أدت حالة الضعف و الهوان التي يعيشها العالم الإسلامي إلى التفكير و الاجتهاد في فقه جديد و هو فقه يدور حول كيفية الخروج بالعالم الإسلامي من أزمته الراهنة، والصعود به إلى المكانة اللائقة، و إنقاذ المسلمين من حالة التخلف و التردي التي تكبلهم و تحول دون تقدمهم . لذلك باتت الحاجة الماسة إلى إبراز الوجه الحقيقي للإسلام ، الذي يتسم بالسماحة و الاعتدال جناحا الوسطية) *6
وللدكتور وهبة الزحيلي تعريفا للوسطية في كتاب له بعنوان ( الوسطية مطلباً شرعياً وحضارياً ) يقول فيه : الوسطية في العرف الشائع في زماننا تعني الاعتدال في الاعتقاد والموقف والسلوك والنظام والمعاملة والأخلاق، وهذا يعني أن الإسلام بالذات دين معتدل غير جانح ولا مفرط في شيء من الحقائق، فليس فيه مغالاة في الدين، ولا تطرف أو شذوذ في الاعتقاد، ولا تهاون ولا تقصير، ولا استكبار ولا خنوع أو ذل أو استسلام وخضوع وعبودية لغير الله تعالى، ولا تشدد أو إحراج، ولا تساهل أو تفريط في حق من حقوق الله تعالى ولا حقوق الناس، وهو معنى الصلاح والاستقامة *7
بيد أن المهندس محمد صالح البدراني في مقالة ( الوسطية بين الإسلام والتسليم ) يخشى استخدام مصطلح الوسطية من قبل أولئك الذين (يحاولون تقديم الإسلام بما يجاري الجهل عند الآخر وكأنه اعترف ابتداءً أن الإسلام في كونه وسطاً يحتاج إلى تفسير وأن سلوكيات جاهلة منحرفة هي ما ينبغي الدفاع عنها ومنها، أنت أخي الحبيب لا تقدم قارب النجاة للغرب الغارق في الظلام والحقد الطاغي ، أنت لن تسعف سلوكية الغرب الجاهلي المتطرف ، أنت لن تقنع الظالم الذي لا يرى ظلمه، بل إنه يعد منعه عن الظلم ظلما له، أنت لن تجذب أئمة الكفر إلى أن يكونوا قيّمين بالقسط. أن تصف الإسلام وكأنه الحمل الوديع فهذه ليست وسطية، فالإسلام لا يسمح بالفساد ولا يقر به، وهو حرب على الضلال والجاهلية، أتساءل من نقنع بوسطية الإسلام، هل نرى أنفسنا في حاجة لإقناع من يمنع الحجاب وهو يتصرف بتطرف ولا يستنكف تصرفه بل يرى انه على حق.
هل نرى أن دفاعنا عن أنفسنا هو تطرف واجب التذكير بالوسطية لمن يخطط لقتلنا ويعتبر أن ليس من حقنا أن نمنعه من قتلنا، علينا كدعاة أن نفرق بين الوسطية والاستلام أي بين الإسلام والاستسلام *8
ويلخص الدكتور علي محمد الصلابي في رسالته القيمة ( الوسطية في القرآن الكريم ) مفهوم ومعنى الوسطية بنقاط تلخص الكثير مما ناقشه السابقون:
- أن الوسطية تعني الخيرية، سواء أكانت خير الخيرين أو خيرًا بين شرين، أو خيرًا بين أمرين متفاوتين
–أن المقياس لتحديد الخيرية هو الشرع، وليس هوى الناس أو ما تعارفوا عليه أو ألفوه، فإن مفهوم الوسطية عند كثير من الناس تعني التنازل أو التساهل؛ بل والمداهنة أحيانا، حيث يختارون الأمر بين الخير والشر وهو إلى الشر أقرب في حقيقته ومآله، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.- أن - - هناك عوامل كثيرة، وأصولا معتبرة، تجب مراعاتها عند ضبط مفهوم الوسطية وتطبيقها على أمر من الأمور، حيث إن قصر النظر على أمر دون آخر يؤدي إلى خلاف ذلك ومجانبته.
بعد هذه المجموعة الطيبة من التعريفات والشروح لمعنى الوسطية ، نجد هناك من يستغل الكلمة استغلالاً يسيء لمعناها الراقي ( الخيرية والاعتدال) ويتهم كل من تشدد حتى لو كان التشدد في محله هو خارج عن الوسطية وبالنتيجة خارج من الإسلام ، وهذا تمييع حقيقي لمفهوم الوسطية ويميل بالكلمة لتكون عنوانا للخضوع والذل على أن يكون معنى للخيرية والتمييز للفكر الإسلامي *9.
- أهمية الوسطية وميزات تطبيقها على أرض الواقع:
راح علماؤنا الأجلاء يسهبون في وضع مميزات للمجتمع الذي يطبق الوسطية في حياته اليومية ويذكرون بنقاط معالمها وصفاتها الأساسية ، ويسندون أرأؤهم بآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريف وسير الأولين فهذا الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله يسطر ثلاثين معلما للوسطية منها :
1.الفهم الشمولي التكاملي للإسلام.
2.الإيمان بمرجعية القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة للتشريع والتوجيه.
3.ترسيخ المعاني والقيم الربانية.
4.فهم التكاليف والأعمال فهما متوازنا يضعها في مراتبها الشرعية وينزل كل تكليف منزلته.
5.تأكيد الدعوة إلى تجديد الفقه القرآني والنبوي.
6.التركيز على القيم الأخلاقية التي عني بها الإسلام.
7.تجديد الدين من داخله وإحياء مبدأ الاجتهاد.
8.الموازنة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر.
9.تبني منهج التيسير والتخفيف في الفقه والفتوى.
10.تطوير مناهج الدعوة إلى الإسلام للمسلمين وغيرهم، مع تبني منهج التبشير في الدعوة ليتكامل مع التيسير في الفتوى. ( كلمات في الوسطية الإسلامية ومعالمها ) * 10
وغيرها من صفات ،، مجتمعنا المسلم اليوم بأمس الحاجة إليها ، كما يفرد الدكتور وهبة الزحيلي صفحات عديدة للوسطية كمطلب حضاري وشرعي بقوله ( إن الوسطية حق وخير وعدل، ومطلب شرعي أصيل، ومظهر حضاري رفيع، ليتحقق التكامل والانسجام بين الأوضاع، والتعاون بين الجميع، ويصير الإخاء والإقدام على العمل أساس كل تقدم ورفاه، كما أن حالة الوسطية تؤدي إلى أداء الواجبات وحقوق الله تعالى وحقوق الناس، فلا تقصير في واجب، ولا إهدار لحق، ولا تقصير في الأداء، كما أنه لا تظالم أو تناحر ولا صراع أو تنافس غير شريف، ولا تناقض في السلوك والممارسات الاجتماعية، ولا تعقيدات أو أمراض نفسية أو اجتماعية، لأن كل إفراط أو شذوذ يؤدي إلى الاضطراب، وكل تفريط في أداء واجب يكون سبباً في إثارة المنازعات والخصومات، وإغراق المحاكم بالدعاوي وتعطيل الأوقات، وتجميد الأحوال.
إن الحياة الهادئة لا تصلح بغير توسط في الأمور، وإن التوفيق بين متطلبات الدين وشؤون الدنيا والمصالح العامة والخاصة أمر مرهون بتوافر القدرة على إنجاز المهام كلها.
ولقد أرشد القرآن الكريم إلى ظاهرة التوازن في الأشياء والأعمال والقدرات والممارسات القائمة على صحوة الوجدان، وقوة العزيمة، والتمسك بالحق، والتزام العمل الصالح الذي هو سمة المجتمع المتحضر، وذلك في سورة موجزة هي سورة العصر: “والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” .
كما يضيف إن من أهم الآثار الناتجة عن تطبيق مبدأ الوسطية على المجتمع هو : (إذا كان هناك شيء من التكاليف الشاقة للأفراد، واختل ميزان الحق والعدل والتوسط في الأمور، وانعدمت الحريات التي هي تعبير عن الوسطية، وقع المجتمع فريسة الأمراض الفتاكة، والانحرافات القاتلة.
ولعل أبرز ما يبين أهمية الوسطية، كونها مفهوم وظيفي أساسي في التفكير والسلوك البشري، بمعنى أنها بمثابة المقدمة والبوابة الرئيسية لغيرها من المفاهيم والواجبات.
وهذا يعني أن الإنسان لن يتمكن من نيل كمال المعرفة أو السلوك إلا بها، وبالتالي فإن إحرازها والتعلق بها فكراً وسلوكاً، هو الطريق المفضي للكمال الإنساني والرقي البشري، ومن هنا تنبع أهمية وضرورة الوسطية في حياة ووجدان الأمة والفرد*13 .
ويقرر الدكتور سلمان بن فهد العودة أن أهم معلم للوسطية هو أنه (يجب أن لا تكون الوسطية شعاراً نرفعه ضد خصومنا، بل أن تكون منهجاً معتدلاً في قراءة الأشياء؛ لنحقق الشهادة التي فرضها الله على هذه الأمة؛ كي تقوم بواجبها، يقول الله سبحانه وتعالى: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا..” البقرة:143 . (مقالة نشرت على موقع منتديات الاسلام اليوم) *14
المراجع:
(1) سورة البقرة / 143 .
(2) قال العجلوني في كشف الخفاء ( 1 / 391 ) حديث ( خير الأمور أوسطها ) وفي لفظ ( أوساطها ) قال ابن الغرس : ضعيف ، وقال في المقاصد : رواه ابن السمعاني في ذيل تاريخ بغداد ، لكن بسند فيه مجهول عن علي مرفوعا . وللديلمي بلا سند عن ابن عباس مرفوعا ( خير الأعمال أوسطها ) ... ولأبي يعلى بسند جيد عن وهب بن منبه ، قال : إن لكل شيء طرفين ووسطا ، فإذا أمسك بأحد الطرفين مال الآخر ، وإذا أمسك بالوسط اعتدل الطرفان ، فعليكم بالأوساط من الأشياء .
(3) التحرير والتنوير ( 2 / 17 ) .
(4) سورة البقرة / 143 .
(5) تفسير الطبري ( 2 / 6 ) .
(6) تفسير المنار ( 2/ 4 ) .
(7) مدارج السالكين ( 2 / 342 ) .
*5 فهمي هويدي ، مقتبس من ( لقاء على موقع مجلة الوعي الإسلامي)
*6 الدكتورعصام البشير،في كلمة بمناسبة افتتاح مركز الوسطية في الكويت ونشر على الموقع الخاص بالمركز
*7 الدكتور وهبة الزحيلي ( بتصرف من كتاب الوسطية مطلباً شرعياً وحضارياً)
*8 المهندس محمد صالح البدراني من مقالة ( الوسطية بين الإسلام والتسليم)
*9 الدكتور علي محمد الصلابي ، بتصرف من رسالة الماجستير ( الوسطية في القرآن الكريم)
*10 الأمام يوسف القرضاوي ( بتصرف من كتاب كلمات في الوسطية الإسلامية ومعالمها)
*11 الدكتور وهبة الزحيلي ( بتصرف من كتاب الوسطية مطلباً شرعياً وحضارياً)
*12 المصدر نفسه
*13 للسيد حسن العبدالله النمر (مدونة)
*14 الدكتور فهد بن سلمان العودة من مقالة بعنوان الوسطية نشرت على منتديات الإسلام اليوم بتاريخ 21/1/2007
القسم الثقافي في اتحاد "الرائد"
اقرؤوا أيضا...
|
2014.01.13 الثاني عشر من شهر ربيع الأول يجمع ثلاثة من أعظم أحداث التاريخ |
|
2014.01.12 خطوات عملية وهامة لإحياء ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم |
|
2013.11.20 مفهوم الاستقامة وتطبيقاتها العملية |