كان ولا يزال وسيبقى الرائد عنصر استقرار للمجتمع الأوكراني، بحمل همومه، والعمل على حلها باستخدام جميع وسائل العمل الإيجابي الجاد، ومن أبرزها وسائل التواصل الحضاري مع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني المختلفة.
وامتدادا لعطاء مستمر منذ التأسيس قبل أكثر من 15 عاما، رعى الاتحاد يوم الأمس أعمال المؤتمر السادس حول التعايش والتمازج الثقافي بين فئات وإثنيات إقليم شبه جزيرة القرم المختلفة.
ويكتسب هذا المؤتمر السنوي أهمية من كونه يطرح جميع قضايا مكونات الإقليم العرقية والدينية الساخنة على طاولة البحث والنقاش، من قبل مسؤولين وخبراء في مختلف المجالات العلمية والأدبية.
وفي كل عام، يخرج المؤتمر بتوصيات إلى الوزارات وغيرها من مؤسسات الدولة المعنية بتلك القضايا، وهي توصيات تترقبها تلك المؤسسات، وتأخذها بها في مشاريعها ونشاطاتها.
حضر وشارك بأعمال المؤتمر نواب وممثلون عن عدة وزارات وجامعات ومؤسسات ثقافية واجتماعية وحقوقية ودينية، وممثلون عن عدة مؤسسات عرقية وقومية ناشطة في الإقليم، بالإضافة إلى مستشرقين وعلماء فلسفة.
ومن بين حضور وضيوف المؤتمر كانت ليمارا سيلينديلي نائبة وزير التعليم في القرم، وفاليري كوسياروف النائب في برلمان القرم، وفوزي يعقوبوف عميد جامعة التربية في الإقليم، وممثلون عن رئاسة وزراء، والإدارة الدينية لمسلمين القرم، وآخرون.
سيلينديلي قالت في كلمة لها إن المؤتمر هام لمشاركة خبراء في مختلف المجالات بفعاليات، ونتائجه تعرف بما يشكل قواسم مشتركة بين فئات الإقليم، من شأن الاستناد عليها خفض حال التوتر، وتعزيز الوحدة.
وشكر كوسياروف في كلمة له "الرائد"، واصفا عمله بالعظيم، وقال إنه يتمنى أن تنعكس مخرجات وحلول المؤتمر واقعا عمليا، وأن تتعرف عليها شرائح المجتمع، وخاصة من فئة الشباب.
وقال يعقوبوف إن اجتماع النخب المثقفة لبحث مواضيع المؤتمر يرسم خطوات واضح الوجهة، نحو حل مشاكل الإقليم والنهوض به، ووحدة مجتمعه الذي يعتبر نموذجا عالميا للتعايش السلمي البناء.
التعايش ومهدداته الراهنة
أجمع المشاركون على أن التعايش بين فئات وإثنيات القرم سمة تميز الإقليم وتجمله، وتجعله نموذجا لإمكانية حوار الحضارات وتلاقيها على قواعد مشتركة.
وفي هذا الإطار قال البروفيسور فيكتو كانكيفيتش أستاذ التاريخ المحاضر في جامعة "تافريدا" الوطنية بمدينة سيمفروبل، قال إن التاريخ مليء بالمواقف التي عاش فيها أتباع الديانات والأعراق جنبا إلى جنب في القرم، باحترام وتسامح.
واعتبر مشاركون آخرون (من خلال نحو 30 بحثا) أن تحديات كبيرة راهنة تهدد ذلك التعايش، كالاعتداءات المتكررة بين الحين والآخر على التتار المسلمين وغيرهم، وترويج بعض وسائل الإعلام لسياسات ومواقف تؤثر سلبا عليه.
كما حمل بعض المشاركين المؤسسات التعليمية مسؤوليتها إزاء تعزيز لغة الحوار والتعايش في الإقليم الذي تعيش فيه نحو 116 فئة عرقية ودينية مختلفة، ومنهم ديلافير سيد أحمد الصحفي في موقع "الإسلام في أوكرانيا"، الذي حذر من الاستخدام المنتشر لوسائل الاتصال والتواصل الاجتماعية الحديثة بما يزعزع وحدة القرم وتعايش أبنائه.
ورأى بعضهم أن الجهل بخصوصيات بعض الفئات يؤدي إلى سوء فهم الكثير من عاداتها وتقاليدها، الأمر الذي قد يتطور إلى شيء من عدم الاحترام، وقد ينتهي بالتصادم السلبي، وهي خصوصيات تتعلق باللغة والثقافة والدين، داعين (مجددا) المؤسسات الإعلامية والتعليمية إلى لعب "أدوارها التعريفية".
وحذروا من لعب بعض الجهات المحلية والخارجية على وتر التعايش في الإقليم لأسباب سياسية أو غيرها، مستحضرين الأثر السلبي لذلك على وحدة المجتمعات العربية، وخاصة في دول الشرق الأوسط.
الإسلام والآخر
وقد دافع عدد من المشاركين عن الإسلام في وجه الاتهامات التي تصفه بأنه دين ينبذ الآخر ولا يتقبله، ويحرض على العنف والتطرف، وغيرها من الشبهات الباطلة حوله.
فقد تحدث فضيلة الشيخ سعيد إسماعيلوف مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا عن بعض الشبهات، مشيرا إلى أن التطرف يكون غالبا بسبب سوء الفهم، وضغط الأنظمة على شعوبها ومواطنيها اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، بالإضافة إلى خنق حرياتهم ومصادرة آرائهم.
وأكد سيران عريفوف رئيس الهيئة التشريعية للاتحاد أن الإسلام ما كان لينتشر ويدخل قلوب شعوب العالم الإسلام لو كان قائما على نبذ الآخر، مشيرا إلى أن رحمة الإسلام وحرصه على النفس البشرية كان من أبرز عوامل انتشاره، ومستدلا بالعيش الآمن للمسيحيين وغيرهم إلى جانب المسلمين في مجتمعاتهم.
وبدوره ذكر مسلم درويشوف رئيس جمعية الأمل الطلابية في الإقليم، ذكر للمجتمعين قصة دخول الخليفة عمر بن الخطاب إلى القدس فاتحا، وما تركته من مواقف عظيمة بحق ساكني المدينة من المسيحيين وكنائسهم، الأمر الذي أدهش الحاضرين، وأثار في نفوسهم الإعجاب والتقدير لشخص ودين عمر رضي الله عنه.