الأصل في الترويح الإباحة:
لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه: ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم، فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله العافية، فإن الله لم يكن نسياً، ثم قرأ هذه الآية: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً" مريم: 64. ومن قواعد الشريعة أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم.
الترويح وسيلة لا غاية:
فهو وسيلة لتحقيق التوازن بين جوانب الإنسان المختلفة، في حالة وجود اختلاف بالإفراط في جانب على حساب الجوانب الأخرى، وإذا تجاوز النشاط الترويحي هذا الحد وأصبح هدفاً في ذاته، فإنه يخرج من المستحب أو المباح إلى الكراهية أو الحرمة، فيخرج مثلاً احتراف بعض الأنشطة الترويحية عن دائرة المباح أو المشروع، لأن في ذلك إلهاءً عن الواجبات الأساسية.
فالإسلام قد رفض الإفراط في كمية العبادات الشرعية، مثال قوله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول، فليضطجع. رواه مسلم. فهذا نهي عن زيادة كمية عبادة، فما بالنا بأمر مباح لم يأمرنا الشارع به، حتى نزده على المأمورات!.
الجد هو الأصل والترويح فرع:
سبق أن ذكرنا أن الترويح إنما هو حالة علاجية لحصول اختلال في إعطاء كل جانب من جوانب الكائن البشري ما يستحق من نشاط وقوة، ليعود الإنسان بكافة جوانبه مواصلاً سيره إلى الله بجد ونشاط، ويظهر ذلك جلياً في أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله، حيث قال كما عند ابن ماجه: ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب. وما روي في صحيح مسلم عن سماك قال: قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال: نعم كثيراً، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قام، فكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويبتسم.فقد كان مقدماً للجد على الترويح كما ظهر.
ألا يكون في النشاط الترويحي مخالفة شرعية:
وهذا هو الضابط الأهم من ضوابط النشاط الترفيهي ولتطبيقه صور مختلفة منها:
- ألا يكون في النشاط الترويحي أذية للآخرين من سخرية، أو لمز ونبز، وغيبة، فقد قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم" [الحجرات: 12،11. أو أذى بترويع لقوله صلى الله عليه وسلم: { لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً. رواه أحمد وأبو داود، ولا بأخذ متاعه واعتداء على ممتلكاته، لقوله صلى الله عليه وسلم عند أبي داود: لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً.
- ألا يكون في النشاط الترويحي كذب وافتراء؛ فقد قال
: { ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ! ويل له ! }، [رواه داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
- ألا يكون فيه تبذير للمال واستهلاك باذخ، قال تعالى: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً" الإسراء: 27،26، وهذا في أمر واجب وهو الإنفاق على ذي القربى والمسكين وابن السبيل فكيف الحال في الترويح.
- ألا يكون في النشاط الترويحي اختلاط لما يفضي إليه ذلك من النظر المحرم، والخلوة المحرمة، بالإضافة إلى أنه قد يكون ذريعة لمخالفات شرعية أكبر، والله تعالى قد نهى عن مجرد قربان الزنا، ولم يقتصر على تحريم الزنا، بل القربان فقد قال تعالى: "وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً" الإسراء : 32.
- ألا يكون فيه معازف لقوله صلى الله عليه وسلم: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف. رواه البخاري.
- ألا يكون من نرد لقوله صلى الله عليه وسلم: من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله. رواه أحمد وأبو داود، وقوله: من لعب بالنرد فكأنما غمس يده في لحم الخنزير. مسلم.
- ألا يكون من ميسر، قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" المائدة: 90.
- ألا يكون فيه تحريش بين البهائم فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم. رواه الترمذي.
- ألا يتخذ ما له روح هدفاً، قال صلى الله عليه وسلم: لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً. رواه مسلم.
- تصوير ما له روح، قال صلى الله عليه وسل: من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ. رواه البخاري.
- النظر إلى ما حرم الله لقوله تعالى: "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ" النور: 31،30.
ألا يكون فيه ضرر على ممارسه:
لقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه أحمد، وللقاعدة الشرعية: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام.
وبما سبق يتضح لنا الرؤى حول كثير من أساليب الترويح والترفيه المستحدثة، وبناء على الضوابط السابقة نستطيع قياس أي أمر وارد جديد...
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اتحاد "الرائد" – القسم الثقافي