الداعية الربانى على ثَغْر: فمن الضروري عليه أن يوقن أنه على ثغر عظيم من ثغور الإسلام العظيم خاتم الرسالات، وأن مهمته ليست إلا تجسيد وممارسة عملية لمهمة الرسل والنبيين، وبالتالي وَجَب عليه أن يكون على القدر الذي يجعله رمزاً صالحاً يُشار إليه بالبنان.
فهو رسول الهداية ومنبع الوقاية ومفتاح السعادة، إذا صلح فهمه للإسلام وتَوسّط واعْتَدل وتمتّع بشموليته لفهم دينه، لصَلُحَ الناس من حوله وتصحّحت المفاهيم وانضبطت الأفكار وانصلحت القيم وتنوّرت العقول بما يرضى الله والرسول.
الداعية الربانى وَسَطىُّ مُعتَدِل: فمن الضروري أن يوقن أنه مطالب بإخراج الناس جميعاً من ضيق وسوء المفاهيم والأخلاق والإيمانيات الضعيفة إلى صحة وسعة المفاهيم والمضامين والأخلاقيات الواسعة العظيمة، شريطة الحٌسنى والتبليغ الجميل والمحبّبُ إلى نفوس الناس، فلا تشدّد ولا تعنّت ولا تضييقا للواسع، ولكنّ الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالأحسن هي أجمل وأعظم ما يجب أن ينهجه الداعية الرباني الناجح، وأن يجعل الاعتدال والوسطية فى أطروحاته منهجاً سامياً محورياً يرتكز عليه في تبليغ الناس وإرشادهم، وألا يتخذ غيره بديلا، وأن يدعوا دائما ربه قائلا: "اللهم أبرم لأمة محمد أمر رُشد وسداد وأمن وأمان ورخاء يُعِزّ فيه أهل طاعتك ويُهْدَى فيه ويُتاب على أهل معصيتك". وألا يكون ممن يدعوا قائلا: يُهدى فيه أهل طاعتك ويُذّلُ فيه أهل معصيتك، فلا يليق بالداعية الربانى أن يدعو بإذلال أهل المعصية، وما من أحد منا معصوم من الخطأ إلا من رحم الله ...
الداعية الربانى طَبيبُ المُجتمع: يجب أن يوقن الداعية أنه الطبيب الأول للمجتمع بأكمل، وهو ما يستدعى أن يكون ماهرا في اكتشاف أمراض الناس السلوكية والأخلاقية والإيمانية والتعبدية، ويكون حسناً في التشخيص وحسناً في وصف العلاج، وأن يكون قارئاً جيداً وباستمرار في كل ما هو جديد في قاموس الطب الدعوى النبوي النافع والمؤثر.
وإذا أراد التميز والمهارة في ذلك فليجعل قدوته صاحب الدعوة قائد الغُرّ المحجلين وخاتم المرسلين الحبيب محمد الأمين صلوات الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، فهو الأسوة والقدوة أَكْرِمْ بها من أسوة وقدوة.
الداعية الرباني يألَف ويُؤلَف: وهي سمة هامة، فلا يصح لداعية يريد أن يكون ربانيا أن يخسر الناس أو شريحة منهم لكونه لا يستطيع أن يكون ذا لسان طيب يُحبّب الناس في الخير ويُرشدهم إليه، يداعب بكلماته الجميلة الحاضرين، ويلاطف بمزاحه المهذب المستمعين، يرسل البسمات والإشارات اللطيفة لمن أمامه من المتعطشين، فيكون بلسماً يٌزيح الهموم وباباً لإسعاد المكلوم والإطاحة بالهموم، وروحاً جميلة تسرى في أجساد الناس فتحييها بنور الله، فتصبح آمنة مطمئنة تتعبد ربها بحُب وشغف وصفاء وشوق ...
الداعية الرباني مُربِّ صاحبُ رسالة: يجب على الداعية أن يستشعر أنه صاحب رسالة، وأنه المربى والوالد والأب والشيخ لكل شرائح المجتمع، فيتصف بصفات الأبّوة، فيكون حنوناً في تبليغ دعوته، واسع الصدر رفيقا بالناس ناصحاً مؤدباً غير مُجرِّحا، يُجمِّع الناس على الفهم الصحيح غير الِمعوّج والسديد غير المغلوط والشامل غير المنقوص، يوضح ويفصِّل الصعب ولا يُصعّب السهل، فترتاح له النفوس ويجد الناس فيه مصدرا وهّاجاً نحو المحبة والتآلف والتعاضد وحب الإسلام والإنتاجية البنّاءة التي هي أساس هام من أساسيات النهضة البنّاءة والرخاء المنشود.
الداعية الرباني مُوجّه طُلاّبي: يجب أن يقوم بما يقوم به المرشد الطلابي في المدرسة من دور عظيم، فيتفقد مشكلات الناس – كما يفعل مرشد طلاب المدرسة مع طلابه - ومواجعهم وهمومهم ويتعرف على نفسياتهم وأوضاعهم وضوائقهم، ويحفظ للناس أسرارهم ويجتهد في إذابة الحزن القابع على صدورهم، فهناك اليتيم وهناك الضعيف وهناك البائس الفقير وصاحب العِوز الفقير وهناك من لا يجد مكانا مُهيئاً في بيته يجتهد فيه لمذاكرة العلم ومواصلة التعليم.
كل هذه الفئات على نوعيتها توجد بالمجتمع، وتحتاج من الداعية أن يكون ربانيا مرشدا وموجهاً حاذقا تتكسر على يديه العوائق وتذوب بحكمته العلائق وتنفرج بحكمته الضوائق.
الداعية الرباني بيتُه من نور: يتعهد نفسه وزوجه وبنوه بتعاليم الإسلام الجميل، يُربّيهم على حب الإسلام والمسلمين والإحسان إلى غير المسلمين، ينفق عليهم محتسبا الأجر عند الله، فتكون نفقته صدقة، يحسن التعامل مع الزوجة فيرفق بها ويتلطف ويحنو ويتجمّل، فيكون نموذجا في بيته للزوج الصالح في السلوك والزينة والعلم والفكاهة والفضيلة والدين، يُعطّر البيت دائما بكلمات العاطفة وعبارات المودة، فيمتلك القلوب ويستحق من أهل بيته أن يحظى بكل ما هو إليه محبوب، فيكون البيت نورا كله على نور.
تنبعث منه الطمأنينة، فلا مجال للغضب وعجرفة الكلام والسلوك بل رحمة وهداية وسكينة، يعين زوجه وبنيه على طاعة الله، فيدعوهم قبل أن يدعو الناس ويربيهم قبل أن يربى الناس، ويأخذ بأيديهم قبل أيدي الناس فهو راع ومسئول عن رعيته، ويُقدّم منهم لنفسه ولربه ولدينه ولمجتمعه نموذجا يُحتذى به نحو الفضيلة وحب الله ورسوله.
هو قدوة عملية لا مجرد خطب منبرية ومواعظ قوية وحركة دؤوبة دعوية، فإذا دعى – على سبيل المثال - النساء للبّاس الإسلامي والحشمة كان من الأدعي أن يجد الناسُ زوجته وبناته قدوة في ذلك، يرتدين اللباس الذي به يصدح وله يدعو وعليه يدنن ويزود، فيجب أن يتذكر أن التربية والتأثير بالقدوة هي أنجح السبل للتأثير الصحيح في الغير، كما كان حبيبنا صلى الله عليه وسلم (قرآنا يمشى على الأرض).
الداعية الربانى ذكّار لله كثيرا: فهو لا يتوقف طوال يومه عن التسبيح والتهليل والتكبير والصلاة على الرسول، يحافظ على ورده القرآني ويكثر الاستغفار، وهو بذلك يؤمن أن الأساس هو ذكر الله وأن النجاة في ذلك، وأنه دائم السعي طوال يومه أن يكون من الذاكرين الله كثيرا لمعرفته الحقة بأنها فئة نادرة يريد أن يكون منها، فلسانه لا يغفل عن الكلمات الذهبية (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، و(سبحان الله العظيم)، و(سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)، وكذلك الصلاة والتسليم على النبي العظيم، والاستغفار المئوي أو السبعين.
فالله الله في داعية لسانه رطبا بذكر الله، مُتيّما في حب الله، متعطشا لمجالسة رسول الله ومجالسة عباد الله الصالحين الذين هم للدين عاملون.
اللهم وفّق دعاة المسلمين إلى ما فيه خير البلاد والعباد والأوطان، اللهم اهدهم سُبل السلام وأَجرِ على ألسنتهم الخير للناس كافة، اللهم اجعلهم ربانيين معتدلين، لا مُتشددين ولا مُنفّرين ولا بقشور الدين مُتشدّقين، اللهم اجعلهم مصابيح هدى وهداية وأمن ووقاية وأصلح ألسنتهم وهَذّب أفكارهم، اللهم طبّب على أيديهم مرضى الأفهام ومِعوّجى التَديُّن وهَندِّس على أيديهم عقول الناس نحو بناء مُشيّد على الفهم الصحيح نحو الإنتاج البنّاء ونحو أمن الدنيا وأمن الآخرة وعظيم الجنان، وعَلّمْ على أيديهم الناس علوم الخير السليمة والصحيحة الغيرُ مُعتّلةِ الفِكَرِ و البيان، وصحّح بهم مسار العباد نحو الحب والأمن والأمان وخير الدنيا وسعة الجنان يا كريم يا رحمن...
اتحاد "الرائد" - القسم الثقافي