بقلم: أ. شكيب بن مخلوف - رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا
فقدت الأمّةُ الإسلاميةُ والأسرةُ الإنسانية، عَلَماً بارزاً وقامةً شامخة، بارتحالِ الأستاذ الكبير، فضيلة العلامة المستشار فيصل مولوي، من دنيانا الفانية إلى دار البقاء.
لقد كان الفقيد الكبير، يرحمه الله رحمة واسعة، وعلى مدى عقود ممتدّة من الزمن، رائداً نادراً من نوعه؛ حاضراً في صدارة ميادين العلم والفكر، الدعوة والتربية، التوجيه والترشيد، العمل والمؤسسات.
وقد عرفه مسلمو أوروبا عن قُربٍ بمساهمته الفعّالة في التعريف بهدى الإسلام وإبراز نهج الوسطية، وتقديم معالجاتٍ شرعيةٍ في التعامل الحصيف مع الواقع الأوروبي ومسائله المتشابكة. وقد تعلّم على يديه جيلٌ من قادة العمل الإسلامي في أوروبا معانيَ التفاني والمثابرة، والمُضِيَّ على دروب الأنبياء والصالحين على بصيرة، والسعيَ لتجسيدِ قيمِ الإسلام وتعاليمه في الحياة اليومية، والحرصَ على الخير للنّاسِ كلِّ الناس.
تشهد له أعمالُه الوفيرة المنشورة، وبحوثه ودراساته التي لم تنضب، علاوة على طائفةٍ واسعةٍ من المحاضرات والدروس الموزّعة بين محطات متباعدة في الغرب والشرق. وقد أمعن فقيدُنا النظَرَ في المسائل المُستجدّة المتعلِّقة بحياة المسلمين في البلاد الأوروبية والأدوار المنتظرة منهم، فكان من السابقين للمشاركةِ في ندواتٍ شرعيّة وفقهية عُقدت في جنبات أوروبا، ثمّ واصل عطاءَه مع لفيف من العلماء عبر دوره الفاعل في "المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث" منذ أن تشكّل عام ألف وتسعمائة وسبعة وتسعين (1997).
وإننا في "اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا"، نستذكر بكثير من العرفان، الدورَ التوجيهيَّ الذي وقف به الشيخ المستشار فيصل مولوي، إلى جانب الاتحاد وعدد من المؤسسات الإسلامية الأوروبية، فاضطلع بمكانةٍ استشاريّة متقدِّمة، وساهم في التسديد والمقاربة خلال المحطّات التاريخية المفصلية من مسيرة مسلمي أوروبا. كما رأس لجاناً متخصّصة أوكلت إليها مسؤوليات النظر في مسائل هامّة، وتقدير المواقف وإنضاج الحلول والإصلاح الاجتماعي.
لقد ترك العلاّمةُ والأستاذ الراحل، بصماتٍ مباركةٍ لا تُخطِئها عينٌ في واقع مسلمي أوروبا، منذ أن أقام في هذه القارّة أعواماً عدّة، كان خلالها بسيرته العَطِرة الأخَ الكبير، والمربِّي الحاني، والمُوَجِّهَ على بصيرة. بل كان له دورُه الملموس في في نهوض المؤسّسات الفاعلة في فرنسا بخاصّة وأوروبا بعامّة، وتشكيل "اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا"، والمساهمة في إنضاج رؤى العمل من مرحلة مباركةٍ إلى أخرى.
لا يرحل الروّاد، فهم باقون بيننا بسيرتهم العطرة، وهم أحياء في عالمنا بأعمالهم الناصعة ومآثرهم النبيلة. سنظلّ أوفياء للفقيد الكبير، بمواصلة المسيرة ومتابعة الأداء، وسنحرص على إطلاق اسم الفقيد الكبير على مشروعات وبرامج فاعلة، ومنشآتٍ ومبرّات مُنيرة في عموم أوروبا، لتُدرِك الأجيالُ الجديدة ما لهذا الرجل الكبير من مآثر منثورة في مجالات عدّة، وأيادٍ بيضاء في حقول متنوِّعة، عرفاناً بالجميل، وتشجيعاً للتأسِّي وتحفيزاً للاقتداء.
نسأل الله العليَّ القدير، أن يتغمّد فقيدَنا الكبير بواسع رحمته، ويُسكِنَه فسيحَ جنّاته، وأن يجمعنا وإيّاه في مستقرّ رحمته، بصحبة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والأنبياء والصديقين والشهداء، وحَسُن أولئك رفيقاً. ونسأله تبارك وتعالى، أن يُجزِل له الأجر والمثوبة عن هذه المسيرة الممتدة، الشاهدةِ بالعطاء الثرّ، والعِلم والعمَل؛ المسيرةِ الذي تفيء على الأجيال بما يُعينها على صلاحِ الدنيا والآخرة. وإنّا على فراقه لمَحزونون. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.