أنت هنا
إضافة تعليق
إن من أعظم ما افترضه الله علينا تجاه نعمة الذرية أن نقوم على أمر تربيتهم وتعاهدهم بما يصلح لهم أمور دنياهم وآخرتهم، ولذا فإننا حينما نتحدث عن تربية الأبناء. فإنما نتحدث عن أمانة عظيمة ومسئولية جسيمة.
الأولاد في القران الكريم زينة الحياة الدنيا ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46]، وهم منة من الله ونعمة تستحق الشكر: ﴿ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ﴾ [المدثر 12-14].
إن الأبناء أمانة ومسئولية، يقول عليه الصلاة والسلام: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (893) ومسلم (1829). وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ) رواه الترمذي (1705).
إن بعض الآباء يؤدي حقوق الأبناء من مطعم وملبس ويغفل عما هو أهم من ذلك، فيغفل عن ما هو أهم وأعظم ألا وهو تأديبهم وتعليمهم وتربيتهم، وقد رُوِىَ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ) رواه الترمذي (1952) واللفظ له، وأحمد (14977).والمعنى أن أفضل ما يهب الوالد لولده حسن الأدب ولا شك أن ذلك خير من صنوف الأموال والهبات.
ومن الأخطاء أن بعض الآباء يعتني بالأبناء الذكور ويهمل البنات وقد قال عليه الصلاة والسلام:( مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ وَزَوَّجَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ) رواه أبو داود (1547).
إن التربية من أفضل الأعمال وأقرب القربات، فهي دعوة وتعليم ونصح وإرشاد وعمل وقدوة ونفع للفرد والمجتمع. وكيف لا تكون من أعظم الأعمال وأجلّها وهي مهمة الأنبياء والرسل؟! وقد قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [الجمعة: 2].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ويزكيهم: ويطهرهم من رزائل الأخلاق ودنس النفوس. وهي أعظم مسئوليات الآباء تجاه ابنائهم.
قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: (الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش، ومائل إلى كل ما يمال إليه، فإن عوِّد الخير نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وإن عوِّد الشر وأًهْمِلَ إهمال البهائم، شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه.
وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً وإنما يكمل ويقوى بالغذاء فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم) أ.هـ.
وذكر الراغب الاصفهاني -رحمة الله-: (أن الخليفة المنصور بعث إلى من في الحبس من بني أمية مَنْ يقول لهم: (ما أشدَّ ما مرَّ بكم في هذا الحبس؟ قالوا: ما فقدنا من تربية أبنائنا).
إنّ مهمَّةَ تربية الأولاد مهمة عظيمة يجب على الآباء أن يحسبوا لها حسابها ويعدوا العدة لمواجهتها خصوصاً في هذا الزمان الذي كثرت فيه دواعي الفساد وتنوعت فيه وسائل التأثير وكَثُرَ إهمال الشباب فلم يعد يُسأل عنهم، وخرجت البنات مع السائقين، وقل الحزم والغيرة في الرجال، وكل ذلك مقرون مع الاهمال في التربية.
استمعوا إلى التوجيه الإلهي العظيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]. والمعنى: قوا أهليكم النار بفتح أبواب الخير لهم وتوجيههم إليها وتشجيعهم عليها، بينوا لهم الحق وفوائده ومروهم به، وبينوا لهم الباطل أضراره وحذروهم منه، وعرفوهم بأحوال الإيمان وألزموهم بأركان الإسلام، مروهم بالصلاة وعودوهم مخافة الله والالتجاء إليه، واغرسوا في قلوبهم محبته وتعظيمه، وبينوا لهم نعمه الظاهرة والباطنة واغرسوا في قلوبهم محبة النبي صلى الله عليه وسلم وما حصل على يديه من الخير العظيم لأمته، بينوا لهم أخلاق النبي الكريمة. وعلموا ابناءكم محاسن الأخلاق والصدق في القول والعمل وكونوا لهم قدوة. ودوهم الاحسان إلى الخلق، وحذروهم من الاعتداء والظلم، أغرسوا في قلوبهم محبة المؤمنين ووجهوهم لما ينفعهم، شجعوهم على قراءة الكتب النافعة وحذروهم من الكتب الضارة والمجلات الهابطة و القنوات السيئة.
احرصوا على الرفقة الصالحة لهم وباعدوهم عن رفقة السوء. ألزموا نساءكم وعودوهن العفة والحياء والحجاب.
إن مما يعين على صلاح الأبناء: الاهتمام بهذا الأمر واستخدام الوسائل المعينة، ومن ذلك اختيار الزوجة الصالحة والعناية بالأبناء وعدم إهمالهم. وقد جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو عقوق ولده فأمره بإحضاره فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين ما حقي على والدي؟ فقال أن يحسن اختيار أمك، ويحسن اختيار اسمك، ويعلمك القران. قال: ما فعل شيء من ذلك، فقال عمر للاب: انطلق فقد عققت ابنك قبل أن يعقك.
إن البعض يشتكي عقوق الأبناء وهو يصلى بهم شقاءاً بدل أن يجد السعادة، ولو فطن قليلاً لعرف أن السبب في ذلك أنه أهملهم ولم يعتنِ بتربيتهم.
إن مما يعين على إصلاح الأبناء: وصلاحهم القدوة الصالحة، فلا ينفع التوجيه بالقول مع المخالفة بالفعل، فالقدوة لها أثرها البالغ دون ضجيج، ولقد كان الرسل قدوة لأممهم فعلى المربين أن يكونوا قدوة صالحة لمن يربونهم.
روى الجاحظ أن عقبة بن أبي سفيان قال لمؤدب ولده (ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بنيك؛ إصلاح نفسك فإن أعينهم معقودة بعينيك، وعلمهم سير الحكماء وأخلاق الأدباء وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء).
ومما يعين على تربية الأبناء: كثرة الدعاء لهم بالهداية والصلاح وهذا دأب الأنبياء فهم أكثر الناس دعاء لصلاح أبنائهم مع أنهم أفضل الخلق قدوة وعلماً وأخلاقاً، فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام يقول: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات:100]. ويقول: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: 35]. ويقول وإسماعيل عليهما السلام: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ﴾ [البقرة: 128].
وهذا نبي الله زكريا عليه السلام يقول الرب جلّ وعلا في شأنه: ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38].
وقد وصف الله تعالى المؤمنين: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما ﴾ [الفرقان: 74].
إن الدعاء دليل الحرص وعلى الاهتمام، وإن دعوة الوالدين حري أن تستجاب وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) رواه أبو داود (1536) والترمذي (1905) واللفظ له. فعلى الوالد أن لا يحرم ولده هذا الفضل وأن يمنحه كل دعوة صالحة تكون سبباً في هدايته واستقامته، ومن باب أولى ألا يدعو على ولده فإن دعوته مستجابة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 8-11].
إن أولادكم أعظم أمانة لديكم فاتقوا الله فيهم واكثروا من مصاحبتهم ومجالستهم ولا تتركوهم لغيركم.
ليس اليتيم من انتهى أبواه وخلفاه في همّ الحياة ذليلاً، إن اليتيم هو الذي تربى عند أم تخلت عنه أو أبٍ مشغول.
لقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على كثرة مشاغله وتنوع مسئولياته يردف معه صغار الصحابة ويكثر من توصيتهم، فقد أردف ابن عباس رضي الله عنه وقال له: (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ). رواه الترمذي (2516)
فيا لها من وصية عظيمة، وتربية حميدة.
كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أردف الفضل واسامة وغيرهما في مواضع أخرى.
أيها الاباء والامهات:
• وجهوا أبناءكم بالرفق واللين قبل الشدة.
• والقدوة والعمل قبل القول.
• بالرحمة قبل العنف.
• تحببوا إليهم ليقبلوا منكم.
• استخدموا وسائل التربية النبوية
• علموهم بالقصة والحوار، والوعظ والترغيب والترهيب
• اعدلوا بينهم.
• ليكن هدفكم إصلاحهم وتعبيدهم لخالقهم، وتهذيب أخلاقهم، وتعليمهم وتأهيلهم لما يصلحهم في الدنيا والآخرة.
• استخدموا وسائل الترفيه لإصلاحهم
• جنبوهم كل ما يفسدهم، جنبوهم الترف والميوعة.
• لا تهملوا أوقات فراغهم.
• أبعدوهم عن الخلطة الفاسدة
• احذروا من سفرهم وحدهم
• جنبوهم الخلافات العائلية
• لا تسرفوا في انفاق الأموال عليهم فتفسدهم، ولا تمنعوهم ما يحتاجون إليه.
• علموهم بالقول والعمل آداب المجالس، وآداب الطريق وقيادة السيارات، وعدم إيذاء المسلمين، وحب النظام والبعد عن التخبط والفوضى، والحرص على تنظيم أوقاتهم والحفاظ عليها.
ابشروا أيها المربون:
• بمرضاة الرب عز وجل.
• بقرار أعينكم بصلاح أبنائكم ونفعهم لكم في الدنيا وبرهم بكم.
• وأعظم من ذلك بعد وفاتكم كما قال عليه السلام: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ). رواه مسلم (1631).
وليس ذلك فحسب، بل أنهم نفع لكم في الآخرة لقوله عليه السلام: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ فَيَقُولُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) رواه ابن ماجة (3660) وأحمد (10232) واللفظ له. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [الطور: 21].
وها هي الملائكة تدعو لمن صلح من الآباء والأبناء: ﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [غافر:8].
إن هذا الصنف من الأبناء ممن نشأ بطريقة صحيحة سيكون بإذن الله نفعاً للمجتمع وحفظاً للأمن وصلاحاً للأمة.
المصدر: موقع المربي