أنت هنا
إضافة تعليق
الصبر قوة نفسية إيجابية فعالة تدفع المتحلي به إلى مقاومة كل أسباب الخور والضعف والاستكانة والاستسلام وتحمله على الصمود والثبات أمام الفتن والمغريات وأمام المحن والمكاره والأحداث إلى أن يأذن الله له بالنصر أو أن يلقى الله عز وجل وهو عنه راض...
وعلى الداعية حين يبلغ دعوة الله أن يضع في حسبانه هذه الابتلاءات :
* أن يضع بحسبانه الاتهامات الكاذبة والأقاويل الباطلة للحط من شأنه والتقليل من اعتباره ....
* أن يضع بحسبانه السجن والاعتقال والتعذيب وكل اعتداء يمسه مادياً ويصيبه جسيماً ....
* أن يضع بحسبانه إخراجه من وظائفه ومصادرة أملاكه واقتطاع كسبه ورزقه ...
* أن يضع بحسبانه تهجيره من بلده ومفارقته لأهله وأولاد وابتعاد عن أصدقائه وأحبابه .....
* أن يضع بحسبانه إغراءه بالمنصب والوظيفة وفتنه بالمال والجاه وإغواءه بالجنس والنساء وقد يلبس هذا الإغواء ثوب الزواج في كثير من الأحيان
* وأخيراً أن يضع بحسبانه الاستشهاد والشهادة في سبيل الإسلام والدعوة إلى الله فحين يضع الداعية نصب عينيه كل هذه الاحتمالات من ضروب الأذى والاضطهاد والشدة فلا يجد في سبيل ما يلقاه من محنه وابتلاء أي حرج أو غضاضة أو يأس أو انهزامية لأن من طبيعة الدعاة الصادقين والعلماء المخلصين أن يتعرضوا لأنواع الأذى وضروب الاضطهاد وحسبهم في ذلك قدرة قائد دعوتهم ورائد رسالتهم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه فإنه عليه الصلاة والسلام أعطى الدعاة إلى الله في كل زمان ومكان القدوة العملية في الصبر والاحتمال والأسوة الحسنة في الصمود والثبات ...
وصدق الله العظيم القائل {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر كثيراً}.
وعلى الدعاة أن يعلموا أن من سنة الله في الأنبياء والمصلحين والدعاة والعلماء أن يتعرضوا في تبليغهم للدعوة وهداية الناس إلى الخير لأنواع من الإبتلاء والإضطهاد ولأصناف من الإحن والشدائد لكونهم يغيرون واقعاً مريراً ويواجهون فئات من الطواغيت المستبدين الظالمين ويتعرضون لأقوام خبيث سرائرهم وأعمالهم لا يرعون في مؤمن إلا ولا ذمة فمن الطبيعي وهذا شأنهم أن يواجهوا الصراع والمقاومة والإبتلاء في أمة الإنتكاس والجهالة والضلال ومن الطبيعى أيضاً أن تعرف حقيقتهم بعد المحنة إن كانوا صادقين في تبليغ الدعوة أو كانوا خوار بين منهزمين ....
وهذا ما بينه القرآن الكريم أوفى بيان :
قال الله تعالى في سورة العنكبوت :{آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعملن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}.
وقال عز من قائل في سورة البقرة :{أم حسبتهم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتي يقول الرسول والذي آمنوا معه متي نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.
وقال القرآن على لسان لقمان الحكيم وهو يعظ ابنه :{يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}.
وهذا أيضاً ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في مواطن عدة .
روى الترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله : أي الناس أشد بلاء؟ (قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلاء الله على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة ).
وروى مسلم في صحيحه عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات).
وروى البخاري في صحيحه أنه لما اشتد إيذاء قريش على ضعفاء المؤمنين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة يقولون: ألا تستنصرنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصرفه ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون !!.)).
ولما علم الرعيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان هذه التوصيات القرآنية والتوجيهات النبوية في إعداد المؤمن والصبر على المحنة والابتلاء أعدوا للثبات والصبر والتضحية نفوساً مؤمنة لا تجزع أمام أحداث الليالي وقلوباً صامدة لا ترتعد من نوازل الأيام...
فهذا بلال رضي الله عنه المؤمن الصابر لقي في سبيل الدعوة ألواناً من العذاب وأصنافاً من البلاء فكلما اشتدت عليه وطأة الألم ونزلت به الإحن السود ووضعت على بطنه الحجارة الثقيلة في وهج الظهيرة المحرق ليترك دينه ازداد إيماناً وتثبيتاً وهتف من الأعماق أحد أحد فرد صمد!!.
وهذا عمار وأمة سمية وأبوه ياسر رضي الله عنهم جميعاً قد تحملوا في سبيل إسلامهم ما لم يتحمله إنسان وما إن علم بنو مخزوم بإسلامهم حتى انقضوا عليهم يذيقونهم اشد العذاب ليفتنوهم عن دينهم ويرجعوهم كفاراً بعد أن هداهم الله إلى الإسلام.
وفي بطحاء مكة حيث ترسل الشمس شواظاً من لهب قضى آل ياسر أياماً في العذاب مقيم ومر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون وسمع ياسراً يئن في قيوده وهو يقول : الدهر هكذا فنظر الرسول صلوات الله وسلامه عليه إلى السماء ونادى: (أبشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة).
وسمع آل ياسر النداء فهدأت نفوسهم وسكنت قلوبهم فلما أتاهم أبو جهل لعنه الله كان استهزاؤهم بالموت وعلوهم على الحياة أعظم ما رأي الناس لقد استشهدت سمية رضي الله عنها وكانت أول شهيدة في الإسلام ثم تبعها ياسر وكان أول من استشهد من الرجال بقي عمار يغالب العذاب ويصابر الألم حتى يكفوا عنه ويطلقوه ولكن قلبه الطاهر بقي عامراً باليقين والإيمان ونزل في حقه قوله سبحانه :{ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان }.
ولا شك أن هذه الظاهرة من الإيمان والثبات والصبر والمصابرة قد تعلموها وأخذوها من سيد الدعاة وإمام المجاهدين صلوات الله وسلامه عليه فقد أعطاهم القدرة العملية في صبره وثباته والأسوة الحسنة في تضحيته وجهاده .....وسبق أن ألمحنا عن مواقفه الخالدة صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وبعدها...
ولقد سار على الدرب التابعون ومن تبعهم بإحسان إلى عصرنا هذا كأمثال الإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية ومنذر بن سعيد بن المسيب ووالي بن طاووس والإمام حسن البنا والشهيد سيد قطب والشيخ مروان حديد والشيخ عبد العزيز البدري والشيخ موفق سيرجية ومئات غيرهم بل أولف فقد ضربوا أروع المثال في صبرهم وثباتهم وجرأتهم وصمودهم رحمهم الله و أعلى منزلتهم وسلاماً عليهم في الخالدين.
أن الذين يتصدون للدعوة ويسيرون في طريق الإصلاح والتغيير والهداية لا بد أن يتعرضوا للمحنة ولا بد أن يواجهوا بأساء الحياة وضراءها ويخطئ من يظن أن طريق الدعوة دائما محفوف بالورود والرياحين ومفروش بالزينات والسجاجيد ومغتص بالمودعين والمستقبلين ...بل على الداعية أن يعلم أن طريقه قد تكون مفروشة بالصخور الكبيرة العاتية والأشواك اليابسة المؤذية والأشقياء العتاة المجرمين فإن لم يكن معتاداً على الثبات والاحتمال متروضاً على الصبر و المصابرة فإنه ينهزم في أول لحظات المحنة ويتقهقر في أول لحظات البلاء ويقعد مع القاعدين اليائسين المثبطين...