أنت هنا
إضافة تعليق
الحمد لله المتفضل المنان، عظيم الفضل والإحسان، كريم العطاء واسع الغفران، نحمده سبحانه حمدا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: "الحج عرفة".
أيها الاحبة: إننا بين يدي يوم عظيم، شرف الله تعالى ذكره في القرآن الكريم، وعظم منزلته بين الأيام والسنين، إنه يوم عرفة، يوم التقرب إلى الله تعالى بالذكر والدعاء، والضراعة والرجاء، يوم يزداد فيه ترقب المتقين، وتسمو فيه قلوب العابدين، ويباهي فيه الرحمن ملائكته بعباده المؤمنين، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إن الله عز وجل يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبر".
إنه يوم عرفة،يوم عرفة، يوم الحج الأكبر، هو أعظم مجامع الدنيا، فهناك تُسكب العبرات، وتُقال العثرات، وتُرتجى الطلبات، وتُكفّر السيئات.
تالله إنه لمشهد عظيم يجل عن الصفة، وموقف كريم طوبى لمن وقفه، فيه توضع الأثقال، وترفع الأعمال. يوم يتجلى فيه الرب الكريم جل جلاله لعباده الطائعين، فيعتق رقابهم، ويستجيب دعاءهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء".
وهو يوم المغفرة، فيه يقف حجاج بيت الله الحرام على عرفات الله تعالى، حيث تنزل الرحمات، وتحل البركات والخيرات، وهم يرجون رحمة ربهم، ويخافون عذابه، عظمت فيه رغبتهم، وزاد فيه رجاؤهم، وتعلقت به قلوبهم، وسمت هناك أنفسهم، فيرجعون أنقياء من الذنوب والخطايا، كيوم ولدتهم أمهاتهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلمبعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال: "يا بلال أنصت لي الناس". فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنصت الناس فقال صلى الله عليه وسلم:" معشر الناس، أتاني جبريل عليه السلام آنفا فأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات". فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله هذا لنا خاصة ؟ قال :" هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة". فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب
وفي يوم عرفة أيها الاحبة يفيض الرحمن على عباده برحمته، ويغشاهم بعفوه ومنته، ويخزي الشيطان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رئى الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه فى يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام ...".
أحبتنا الكرام: يوم عرفة يوم عيد يفرح فيه المسلمون بتوفيق الله تعالى لهم وهدايته إياهم لطاعته، وتفضله عليهم برضاه ومغفرته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهى أيام أكل وشرب".
فهنيئا لمن وفقه الله تعالى في هذا اليوم لطاعته، وانشغل بذكره وعبادته، وعمر قلبه برجائه، وتضرع إليه بدعائه، فاغتنموا عباد الله يوم عرفة لتجديد إيمانكم وتوبتكم، واستمسكوا بمعاني الإسلام صادقة بها قلوبكم، وتقربوا إلى الله تعالى بصالح أعمالكم، وأحسنوا الظن بربكم، وأكثروا من الذكر والدعاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".
ويسن لغير الحاج صيام يوم عرفة فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ" مسلم
قال عطاء بن أبي مسلم الخرساني: (إن استطعت أن تخلو بنفسك عشية عرفة فأفعل).
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين